
عرف المغرب تعاقب الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مند مطلع بداية القرن 20م،وكانت الدول الأوربية هي المساهمة بالقسط الكبير في خلق الأزمات التي كانت السبب الرئيسي بسقوطه تحت الحماية الفرنسية والأسبانية.
فماهي الظروف التي جعلت المغرب يركع للحماية؟
في عهد من فرضت الحماية ومتى؟
ما هي أجهزة ومؤسسات نظام الحماية بالمغرب؟
وما هو رد فعل المغاربة تجاه هذا النظام؟
І – السياق العام لفرض عقد الحماية على المغرب:
1 – الظروف العامة لفرض عقد الحماية على المغرب:
1 – 1 – العوامل الخارجية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب:
أقدمت فرنسا عند مطلع القرن 20م على أبرام سلسلة من الصفقات السرية مع الدول الإمبريالية التي كانت تنافسها على المغرب:وساهمت فيها عوامل داخلية وأخرى خارجية في عهدي السلطانين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، انتهت بسقوطه تحت الحماية الفرنسية والأسبانية سنة 1912.
من بين الاتفاقيات لاستعمار المغرب كمايلي :
أ= اتفاق فرنسا وإيطاليا سنة 1902م: تنازلت فيه ايطاليا لصالح فرنسا ،
ب= إتفاق فرنسا وبريطانيا في 8 أبريل 1904م: تنازلت فيه بمقتضاه فرنسا لبريطانيا عن مصر مقابل حرية تصرف فرنسا في المغرب.
ج= اتفاق فرنسا وإسبانيا في أكتوبر 1904م:تم فيه الاتفاق على تقسيم المغرب بين فرنسا وإسبانيا، بحيث يخضع الشمال لإسبانيا والوسط لفرنسا وجعل طنجة دولية.
1 – 2 -العوامل الداخلية التي ساهمت في فرض نظام الحماية على المغرب:
الازمة المالية :
عرف المغرب أزمة اقتصادية ومالية داخلية تمثلت في فشل المخزن المغربي في فرض ضريبة الترتيب سنة 1902م، ولجوئه إلى الاقتراض المكثف من الدول الأوربية وخاصة فرنسا. مما سبب ثقل الديون الخارجية بسبب سياسة الاقتراض من الدول الأوربية وخاصة فرنسا، وامتناع المحميين عن دفع الضرائب.
ألازمة السياسية الخانقة :
تجلت في اندلاع تمرد الجيلالي بن إدريس الزرهوني (بوحمارة) ما بين 1902 و1909م، و ثورة الريسوني وعزل السلطان المولى عبد العزيز لقبوله مقررات الجزيرة الخضراء الموثعة في ابريل1906 وبيعة المولى عبد الحفيظ سنة 1909م، اللذي رأى فيه المغاربة رمزا لمقاومة التدخل الأجنبي.
إلا أن الضغط الدولي، وعدم اعتراف فرنسا بشرعيته وسقوطه في فخ القروض جعله يهادن الفرنسيين، مما أثار غضب المغاربة فحاصروا القصر الملكي بفاس، مما جعل الجيش الفرنسي يتدخل بدعوى حماية السلطان، وأجبرته على توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912م، وقد استغلت القوى الاستعمارية هذا الوضع السياسي المضطرب، حيث احتلت فرنسا وجدة والدار البيضاء سنة 1907م، ثم احتلت اسبانيا العرائش والقصر الكبير سنة 1911م.
الازمة الاجتماعية:
نقص المواد الغذائية، وإفلاس الفلاحين، وانتشار الكوارث الطبيعية (الجفاف، الجراد ، المجاعة …)، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض..
2 – بنود عقد الحماية التي فرضت على المغرب بفاس يوم 30 مارس 1912م:
بفاس في 30 مارس من سنة 1912م وقع السلطان مولاي عبد الحفيظ والسفير الفرنسي( رينو Regnault) عقد الحماية ، وقد اتفق الطرفين على ما يلي:
تأسيس نظام جديد تنجز بموجبه فرنسا الإصلاحات النافعة للمغاربة.
حراسة فرنسا للتراب المغربي برا وبحرا.
تعهد فرنسا بحماية أمن وسلامة ومهام السلطان.
اشراك السلطان وولاته في الأقاليم في تنفيذ نظام الحماية.
تعيين فرنسا مقيما عاما لها في المغرب وتمتعيه بصلاحيات عامة.
رعاية فرنسا لشؤون المغرب وجالياته في الخارج.
إشراف فرنسا على طلبات المغرب للقروض.
قيام فرنسا بالتفاوض مع إسبانيا.
الإبقاء على طنجة كمنطقة دولية.
هذه هي الاسباب التي ادت الى فرض نظام الحمايةوهنا وجد المغرب نفسه فاقدا سيادته وحقه في تسيير شؤونه العامة بنفسه لصالح الحمايتين الفرنسية والاسبانية فرنسا في الوسط واسبانيا في الشمال والجنوب وسلطة دولية في طنجة، ليصبح له في شخص السلطان وخليفته دورا شكليا مجردا من كل الصلاحيات.
الوضع السياسي بالمغرب خلال عهد الحماية:
1 – مراحل الاحتلال الاستعماري للمغرب:
تم تحديد مراحل الاحتلال العسكري للمغرب على النحو الآتي:
الفترة ما قبل 1912م: احتلت فرنسا المغرب الشرقي والمناطق الممتدة من الدار البيضاء إلى فاس.
الفترة مابين 1912 – 1914م: سيطرت فرنسا على المناطق الواقعة غرب جبال الأطلس.
الفترة مابين 1914 – 1920م: استولت فرنسا على الأطلس المتوسط والأطلس الكبير.
الفترة مابين 1921 – 1926م: احتلت إسبانيا المنطقة الشمالية.
الفترة مابين 1931 – 1934م: استولت فرنسا وإسبانيا على المناطق الصحراوية.
استغل الاستعمار عدة وسائل لاحتلال المغرب أبرزها:
تنظيم جيش كبير مجهز بأسلحة حديثة.
اللجوء الى سياسة الأرض المحروقة (إحراق المحاصيل الزراعية لتجويع السكان، ولإرغام المقاومين على الاستسلام).
نهج سياسة بقعة الزيت (بث النزاعات القبلية).
الاعتماد على الأعيان الذين يمثلون عملاء الاستعمار وعلى رأسهم الكلاوي.
2 – التقسيم الاستعماري للتراب المغربي في عهد الحماية:
المستعمر قسم المغرب إلى ثلاث مناطق أساسية:
منطقة نفوذ الحماية الفرنسية:
بوسط البلاد، والذي تم تقسيمه إلى جهات مدنية (وجدة، والرباط، والدار البيضاء)، وجهات عسكرية (فاس، ومكناس، ومراكش وأكادير).
منطقة نفوذ الحماية الإسبانية:
بالشمال (جبالة، غمارة، الريف …)، وبالجنوب المغربي (الساقية الحمراء، ووادي الذهب …).
منطقة نفوذ النظام الدولي: بطنجة
الأجهزة الإدارية لنظام للحماية ووظائفها:
1 – الأجهزة الإدارية للحماية الفرنسية بالمغرب:
أحدثت فرنسا إدارة فرنسية لترسيخ سلطتها مع الاحتفاظ بالأجهزة المخزنية التي تمثل الإدارة المغربية، وقد توزعت بين إدارة مركزية وإقليمية ومحلية:
على المستوى المركزي:
يمثل المقيم العام الجمهورية الفرنسية بالمغرب، يسير المصالح الإدارية والعسكرية ويسن القوانين ويصادق عليها، وبذلك كان له مطلق الصلاحيات، يساعده كاتب عام يشرف على جميع الإدارات، إضافة إلى المديرين يتولون رئاسة المديريات التقنية (الصحة، التعليم، الفلاحة، الصناعة، البريد …).
والمديريات السياسية (الداخلية: تراقب السلط جهويا ومحليا، والأمنية: تراقب أفكار المغاربة وتقمع المعارضين)، ثم مديرية الشؤون الشريفة (تراقب وظائف المخزن، وتقدم القرارات للسلطان والصدر الأعظم)، بالمقابل اكتفى السلطان المغربي بالسلطة الدينية، وبالتوقيع على القوانين التي يصدرها المقيم العام الفرنسي بالمغرب .
وبحلول 1925م تحولت الحماية إلى إدارة مباشرة تتخد القرارات متجاوزة الإدارة المغربية عكس ما كانت تصرح به سلطات الحماية في شخص مقيمها العام (ليوطي أول مقيم عام 1912- 1925م) أن الإدارة تتم بمؤسسات وحكومة وإدارة البلد، وتحت السلط العليا للسلطان، وتحت الإشراف البسيط لفرنسا.
على المستوى الإقليمي والجهوي:
قسمت منطقة النفوذ الفرنسي إلى سبعة أقاليم يرأس كل منها موظف سام فرنسي.
على المستوى المحلي: قسم كل إقليم إلى دوائر حضرية وقروية يرأس كل منها موظف مغربي يعرف باسم الباشا أو القائد.
2 – الأجهزة الإدارية بمنطقة الحماية الإسبانية:
تميزت الأجهزة الإدارية للحماية الإسبانية بالمغرب بازدواجية الإدارة موزعة بين الإدارة الاستعمارية الفعلية والإدارة المخزنية المغربية الشكلية، مركزيا ومحليا:
على المستوى المركزي:
عينت إسبانيا مندوبا ساميا للإشراف على تسيير شؤون المنطقة الشمالية (الخليفية)، يستعين بمجموعة من الأجهزة الإدارية في شكل نيابات (الأمور الأهلية: التعليم، الصناعة، الفلاحة، الصحة، المالية …)، وهو الذي احتكر السلطة الفعلية تاركا السلطة الشكلية لخليفة السلطان.
على المستوى المحلي:
كان القنصل الإسباني يشرف على المدن التي يحكمها الباشوات، كما كان الضابط العسكري الإسباني يشرف على البوادي التي يرأسها القواد.
3 – الأجهزة الإدارية بالمنطقة الدولية:
تمثلت الأجهزة الدولية في السلطة التشريعية المشكلة من:
المجلس التشريعي:
يتكون من 18 نائبا أجنبيا و6 مغاربة مسلمين و3 مغاربة يهود، يتكفل بسن القوانين التنظيمية.
السلطة التنفيذية:
تتكون من حاكم المدينة ونواب المجلس التشريعي، تكفلت بتعيين الموظفين الكبار، وبتنفيذ قرارات السلطة التشريعية، والحفاظ على الأمن العام.
السلطة القضائية:
تشكلت من 7 قضاة الدول الموقعة على مؤتمر الجزيرة الخضراء، تكفلت بالفصل في النزاعات الجنائية والتجارية بالمدينة.
بينما تشكلت الاجهزة المخزنية من:
المكونة من مندوب السلطان والقاضي وموظفو الاحباس، وكانت تحرص على شؤون المغاربة وتلزمهم باحترام النظام الدولي.
المقاومة المسلحة ودورها في مواجهة الاحتلال الأجنبي بالمغرب:
1 – مظاهر المقاومة المسلحة المغربية للاحتلال الفرنسي:
انطلقت ردود الفعل المغربية إزاء التدخل الفرنسي والإسباني بالمغرب بمجرد توقيع مهاهدة الحماية بفاس يوم 30 مارس 1912م على شكل تمرد عام الذي تحول إلى مقاومة مسلحة عمت جميع أنحاء البلاد الى غاية 1934م:
قبائل الجنوب والصحراء:
انطلقت المقاومة الجنوبية من الصحراء المغربية بزعامة أحمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين، وأخوه مربيه ربه، وتصدت هذه المقاومة للجيش الفرنسي في شمال مراكش، وبسبب اختلاف موازين القوة انهزم المغاربة في معركة سيدي بوعثمان يوم 06 شتنبر 1912م، وبعدها عاد المجاهدون لمواصلة المقاومة بالجنوب المغربي إلى غاية وفاة مربيه ربه سنة 1934م.
قبائل الأطلس المتوسط:
قاد موحا أوحمو الزياني قبائل زيان بخنيفرة بالأطلس المتوسط، واستطاعوا بفضل شجاعتهم وخططهم الحربية الانتصار الساحق على الفرنسيين، حيث قتل وأسر كبار قادة الجيش في معركة الهري يوم 13 نونبر 1913م.
قبائل الأطلس الكبير والصغير:
قاد المجاهد عسو أوبسلام قبائل آيت عطا بالأطلس الكبير، ورغم استعمال الجيش الفرنسي للطائرات والمدافع والقنابل، فإن المقاومين صمدوا في معركة بوغافر من 12 فبراير إلى 24 مارس 1933م، ولم يستسلموا إلا بعد أن استنفدوا أسلحتهم، ومقابل شروط قدمها عسو اوبسلام للفرنسيين.
قبائل جبالة والريف:
تزعم محمد بن عبد الكريم الخطابي المقاومة المسلحة الريفية التي حققت نصرا كبيرا في معركة أنوال يوم 21 يوليوز 1921م ضد الاحتلال الاسباني بالشمال المغربي، وبعد هذه المعركة تحالفت إسبانيا مع فرنسا وشنتا حربا عسكرية استعملت فيها الغازات الكيماوية، فاستسلم محمد بن عبد الكريم الخطابي يوم 27 ماي 1926م. كما قاد أحمد أخريرو مقاومة قبائل جبالة بالشمال الغربي من المغرب ضد الاحتلال الإسباني إلى أن استشهد يوم 3 نونبر 1926م.
2 – مظاهر صمود المقاومة المسلحة واستماتتها في مواجهة الاحتلالين الفرنسي والاسباني:
تطلب احتلال المغرب عسكريا من طرف سلطات الحماية 22 سنة من العمل العسكري (من 1912م إلى 1934م)، وذلك بفضل قوة المقاومة المسلحة المغربية وحسن تنظيمها، رغم استعمالها لوسائل وأسلحة تقليدية بسيطة وأسلحة الغنائم العسكرية من المعارك كما هو الشأن في معركة الهري وأنوال مقارنة مع التفوق العسكري للمحتل، المكون من جيش نظامي مجهز بأسلحة متطورة نارية ودبابات وطائرات.
إضافة إلى ارتفاع الروح القتالية للقبائل والتفافها حول زعماء المقاومة، وهو ما حاولت فرنسا ضربه بخلق التفرقة (سياسة فرق تسد) بين مكونات المجتمع المغربي من أمازيغ وعرب بإصدارها للظهير البربري سنة 1930م، إلا أن المغاربة أفشلوه وزاد من شعورهم الوطني المغربي، وبنهاية المقاومة المسلحة سنة 1934م دخلت المقاومة المغربية مرحلة المقاومة السياسة إلى جانب العمل المسلح بقيادة الأحزاب السياسة.
خاتمة:
تعرض المغرب للاستعمار بعد توقيع معاهدة الحماية، وشهدت البلاد مقاومة مسلحة استمرت إلى غاية 1934م، ووضع الاستعمار أجهزة إدارية لتسهيل عملية الاستغلال بالمغرب.